فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وقال الملك ائتوني به} يعني يوسف عليه السلام.
{فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك} يعني الملك.
{فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} وإنما توقف عن الخروج مع طول حبسه ليظهر للملك عذره قبل حضوره فلا يراه مذنبًا ولا خائنًا.
فروى أبو الزناد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله يوسف إنه كان ذا أناةٍ لو كنت أنا المحبوس ثم أُرسل لخرجت سريعًا». وفي سؤاله عن النسوة اللاتي قطعن أيديهن دون امرأة العزيز ثلاثة أوجه:
أحدها: أن في سؤاله عنها ظنَّةً ربما صار بها متهمًا.
والثاني: صيانة لها لأنها زوج الملك فلم يتبذلها بالذكر.
الثالث: أنه أرادهن دونها لأنهن الشاهدات له عليها.
{إن ربي بكيدهن عليم} فيه وجهان: أحدهما: معناه إن الله بكيدهن عليم. الثاني: أن سيدي الذي هو العزيز بكيدهن عليم. قوله عز وجل: {قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه} فهذا سؤال الملك قد تضمن تنزيه يوسف لما تخيله من صدقه لطفًا من الله تعالى به حتى لا تسرع واحدة منهن إلى التكذب عليه.
وفي قوله: {راودتن} وإن كانت المراودة من إحداهن وجهان:
أحدهما: أن المراودة كانت من امرأة العزيز وحدها فجمعهن في الخطاب وإن توجه إليها دونهن احتشامًا لها.
الثاني: أن المراودة كانت من كل واحدة منهن. {قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوءٍ} فشهدن له بالبراءة من السوء على علمهن لأنها شهادة على نفي، ولو كانت شهادتهن على إثبات لشهدن قطعًا، وهكذا حكم الله تعالى في الشهادات أن تكون على العلم في النفي، وعلى القطع في الإثبات.
{قالت امرأة العزيز الآنَ حصحص الحق} معناه الآن تبين الحق ووضح، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
وأصله مأخوذ من قولهم حَصّ شعره إذا استأصل قطعه فظهرت مواضعه ومنه الحصة من الأرض إذا قطعت منها. فمعنى حصحص الحق أي انقطع عن الباطل بظهوره وبيانه. وفيه زيادة تضعيف دل عليها الاشتقاق مثل قوله: (كبوا، وكبكبوا) قاله الزجاج. وقال الشاعر:
ألا مبلغ عني خداشًا فإنه ** كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم

{أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} وهذا القول منها وإن لم تسأل عنه إظهار لتوبتها وتحقيق لصدق يوسف ونزاهته لأن إقرار المقر على نفسه أقوى من الشهادة عليه، فجمع الله تعالى ليوسف في إظهار صدقه الشهادة والإقرار حتى لا يخامر نفسًا ظن ولا يخالجها شك.
قوله عز وجل: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه قول امرأة العزيز عطفًا على ما تقدم، ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب، يعني الآن في غيبه بالكذب عليه وإضافة السوء إليه لأن الله لا يهدي كيد الخائنين، حكاه ابن عيسى.
الثاني: أنه قول يوسف بعد أن علم بظهور صدقه، وذلك ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب عنه في زوجته، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي.
{وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} معناه وأن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلَى رَبِّك} الْآيَةَ.
يُقَالُ: إنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا لَمْ يُجِبْهُمْ إلَى الذَّهَابِ إلَى الْمَلِكِ حَتَّى رَدَّ الرَّسُولُ إلَيْهِ بِأَنْ يَسْأَلَ عَنْ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ لِتَظْهَرَ بَرَاءَةُ سَاحَتِهِ فَيَكُونَ أَجَلَّ فِي صَدْرِهِ عِنْدَ حُضُورِهِ وَأَقْرَبَ إلَى قَبُولِ مَا يَدْعُوهُ إلَيْهِ مِنْ التَّوْحِيدِ وَقَبُولِ مَا يُشِيرُ بِهِ عَلَيْهِ.
قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: هَذَا مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ، يَقُولُ: إنِّي إنَّمَا رَدَدْت الرَّسُولَ إلَيْهِ فِي سُؤَالِ النِّسْوَةِ لِيَعْلَمَ الْعَزِيزُ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ.
وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْحِكَايَةِ عَنْ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُ رَدَّ الْكَلَامَ إلَى الْحِكَايَةِ عَنْ قَوْلِ يُوسُفَ لِظُهُورِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} وَقَبْلَهُ حِكَايَةٌ عَنْ الْمَرْأَةِ: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} وَكَقَوْلِهِ: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} وَقَبْلَهُ حِكَايَةُ قَوْلِ الْمَلَإِ: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ}
في تضاعيف هذه الآية محذوفات يعطيها ظاهر الكلام ويدل عليها، والمعنى هنا: فرجع الرسول إلى الملأ والملك فقص عليهم مقالة يوسف، فرأى الملك وحاضروه نبل التعبير وحسن الرأي وتضمن الغيب في أمر العام الثامن، مع ما وصفه به الرسول من الصدق في المنامة المتقدمة، فعظم يوسف في نفس الملك،: {وقال ائتوني به}، فلما وصل الرسول في إخراجه إليه، وقال: إن الملك قد أمر بأن تخرج، قال له: {ارجع إلى ربك}- أي الملك- وقل له: {ما بال النسوة} ومقصد يوسف عليه السلام إنما كان- وقل له: يستقصي عن ذنبي وينظر في أمري، هل سجنت بحق أو بظلم. فرسم قصته بطرف منها إذا وقع النظر عليه بان الأمر كله. ونكب عن ذكر امرأة العزيز حسن عشرة ورعاية لذمام ملك العزيز له.
وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو حيوة {النُّسوة} بضم النون، وقرأ الباقون {النِّسوة} بكسر النون. وهما لغتان في تكسير نساء الذي هو اسم جمع لا واحد له من لفظة. وقرأت فرقة {اللايي} بالياء، وقرأ فرقة {اللاتي} بالتاء وكلاهما جمع التي.
وكان هذا الفعل من يوسف عليه السلام أناة وصبرًا وطلبًا لبراءة الساحة، وذلك أنه فيما روي خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحًا، فيراه الناس بتلك العين أبدًا، ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف عليه السلام أن تبين براءته وتتحقق منزلته من العفة والخير، وحينئذ يخرج للإخطاء والمنزلة؛ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يرحم الله أخي يوسف، لقد كان صابرًا حليمًا، ولو لبثت في السجن لبثه لأجبت الداعي ولم ألتمس العذر حينئذ»، وروي نحو هذا الحديث من طريق عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك في كتاب التفسير من صحيح البخاري، وليس لابن القاسم في الديوان غيره.
وهنا اعتراض ينبغي أن ينفصل عنه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما ذكر هذا الكلام على جهة المدح ليوسف، فما باله هو، يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره، فالوجه في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ لنفسه وجهًا آخر من الرأي له جهة أيضًا من الجودة، أي لو كنت أنا لبادرت بالخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك؛ وذلك أن هذه القصص والنوازل إنما هي معرضة ليقتدي الناس بها يوم القيامة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل الناس على الأحزم من الأمور، وذلك أن المتعمق في مثل هذه النازلة التارك فرصة الخروج من مثل ذلك السجن، ربما تنتج له من ذلك البقاء في سجنه، وانصرفت نفس مخرجه عنه، وإن كان يوسف عليه السلام أمن من ذلك بعلمه من الله فغيره من الناس لا يأمن ذلك؛ فالحالة التي ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إليها حالة حزم ومدح، وما فعله يوسف عليه السلام صبر عظيم وجلد.
وقوله: {إن ربي بكيدهن عليم} يحتمل أن يريد بالرب الله عز وجل، وفي الآية وعيد- على هذا- وتهديد، ويحتمل أن يريد بالرب العزيز مولاه، ففي ذلك استشهاد به وتقريع له.
والضمير في: {كيدهن} ل: {النسوة} المذكورات لا للجنس لأنها حالة توقيف على ذنب.
{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ}
المعنى: فجمع الملك النسوة وامرأة العزيز معهن، وقال لهن: {ما خطبكن...} الآية، أي: أي شيء كانت قصتكن؟ فهو استدعاء منه أن يعلمنه القصة فجاوب النساء بجواب جيد، تظهر منه براءة أنفسهن جملة وأعطين يوسف بعض براءة، وذلك أن الملك لما قرر لهن أنهن راودنه قلن- جوابًا عن ذلك-: {حاش لله} وقد يحتمل- على بعد- أن يكون قولهن: {حاش لله} في جهة يوسف عليه السلام، وقولهن: {ما علمنا عليه من سوء} ليس بإبراء تام، وإنما كان الإبراء التام وصف القصة على وجهها حتى يتقرر الخطأ في إحدى الجهتين، ولو قلن: ما علمن عليه إلا خيرًا لكان أدخل في التبرية. وقد بوب البخاري على هذه الألفاظ على أنها تزكية، وأدخل قول أسامة بن زيد في حديث الإفك: أهلك ولا نعلم إلا خيرًا.
قال القاضي أبو محمد: وأما مالك رحمه الله فلا يقنع بهذا في تزكية الشاهد، لأنه ليس بإثبات العدالة.
قال بعض المفسرين فلما سمعت زوجة العزيز مقالتهن وحيدتهن عن الوقوع في الخزي حضرتها نية وتحقيق، فقالت: {الآن حصحص الحق}. و: {حصحص} معناه: تبين بعد خفائه، كذا قال الخليل وغيره وقيل: هو مأخوذ من الحصة، أي بانت حصته من حصة الباطل. ثم أقرت على نفسها بالمراودة والتزمت الذنب وأبرأت يوسف البراءة التامة.
{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}
قالت جماعة من أهل التأويل: هذه المقالة هي من يوسف عليه السلام، وذلك: {ليعلم} العزيز سيدي: {أني لم أخنه} في أهله وهو غائب، وليعلم أيضًا أن الله تعالى: {لا يهدي} كيد خائن ولا يرشد سعيه.
قال القاضي أبو محمد: والهدى للكيد مستعار، بمعنى لا يكلمه ولا يمضيه على طريق إصابة، ورب كيد مهدي إذا كان من تقي في مصلحة.
واختلفت هذه الجماعة فقال ابن جريج: هذه المقالة من يوسف هي متصلة بقوله للرسول: {إن ربي بكيدهن عليم} [يوسف: 50]، وفي الكلام تقديم وتأخير، فالإشارة بقوله: {ذلك}- على هذا التأويل- هي إلى بقائه في السجن والتماسه البراءة أي هذا ليعلم سيدي أني لم أخنه.
وقال بعضهم: إنما قال يوسف هذه المقالة حين قالت امرأة العزيز كلامها، إلى قولها: {وإنه لمن الصادقين} [يوسف: 51] فالإشارة- على هذا- إلى إقرارها، وصنع الله تعالى فيه، وهذا يضعف، لأنه يقتضي حضوره مع النسوة عند الملك، وبعد هذا يقول الملك: {ائتوني به} [يوسف: 54].
وقالت فرقة من أهل التأويل: هذه الآية من قول امرأة العزيز، وكلامها متصل، أي قولي هذا وإقراري ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته بأن أكذب عليه أو أرميه بذنب هو بريء منه؛ والتقدير- على هذا التأويل توبتي وإقراري ليعلم أني لم أخنه وأن الله لا يهدي..
وعلى أن الكلام من يوسف يجيء التقدير: وليعلم أن الله لا يهدي كيد الخائنين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ} أي فذهب الرسول فأخبر الملك، فقال: ائتوني به: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرسول} أي يأمره بالخروج قال: {ارجع إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة} أي حال النسوة.
{اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فأبى أن يخرج إلا أن تصحّ براءته (عند) الملك مما قُذِف به، وأنه حبس بلا جرم.
وروى الترمذيّ عن أبي هُريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم (ابن الكريم) يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم قال ولو لبِثتُ في السجن ما لَبِث ثم جاءني الرسول أجبت ثم قرأ: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرسول قَالَ ارجع إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} قال ورحمةُ الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد إذ قال: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} فما بعث الله من بعده نبيًا إلا في ذروة من قومه».
وروى البخاريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له:»: {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يرحم الله أخي يوسف لقد كان صابرًا حليمًا ولو لبثت في السجن ما لبثه أجبت الداعيَ ولم ألتمس العُذْر».
وروي نحو هذا الحديث من طريق عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك، في كتاب التفسير من صحيح البخاري، وليس لابن القاسم في الديوان غيره.
وفي رواية الطّبريّ: «يرحم الله يوسف لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليّ لخرجت سريعًا أَنْ كان لحليمًا ذا أناة».
وقال صلى الله عليه وسلم: «لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات لو كنت مكانه لما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب».
قال ابن عطية: كان هذا الفعل من يوسف عليه السلام أناة وصبرًا، وطلبًا لبراءة الساحة؛ وذلك أنه فيما روي خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحًا فيراه الناس بتلك العين أبدًا ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه؛ فأراد يوسف عليه السلام أن يبيّن براءته، ويحقّق منزلته من العفّة والخير؛ وحينئذ يخرج للإحْظَاءِ والمنزلة؛ فلهذا قال للرسول: ارجع إلى ربك وقل له ما بال النسوة، ومقصد يوسف عليه السلام إنما كان: وقل له يستقصي عن ذنبي، وينظر في أمري هل سجنت بحق أو بظلم؛ ونَكَب عن امرأة العزيز حُسن عشرة، ورعاية لذِمام الملك العزيز له.
فإن قيل: كيف مدح النبي صلى الله عليه وسلم يوسف بالصبر والأناة وترك المبادرة إلى الخروج، ثم هو يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره؟ فالوجه في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ لنفسه وجهًا آخر من الرأي، له جهة أيضًا من الجودة؛ يقول: لو كنت أنا لبادرت بالخروج، ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك؛ وذلك أن هذه القصص والنوازل هي معرّضة لأن يقتدي الناس بها إلى يوم القيامة؛ فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل الناس على الأحزم من الأمور؛ وذلك أن ترك الحزم في مثل هذه النازلة، التاركَ فرصة الخروج من مثل ذلك السجن، ربما نَتَجَ له البقاء في سجنه، وانصرفت نفس مخرجه عنه، وإن كان يوسف عليه السلام أمن من ذلك بعلمه من الله، فغيره من الناس لا يأمن ذلك؛ فالحالة التي ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إليها حالة حزم، وما فعله يوسف عليه السلام صبر عظيم وجلَدٌ.
قوله تعالى: {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة} ذكر النّساء جملة ليدخل فيهنّ امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح حتى لا يقع عليها تصريح؛ وذلك حُسن عشرة وأدب؛ وفي الكلام محذوف، أي فاسأله أن يتعرّف ما بال النّسوة.